حلمٌ شفاف .


كتبت: د. صحر انور                                      

حلمٌ شفاف .

      في رحلة البحث عن الذات قد يسير الإنسان في عدة طرق إما برغبته او رغماً عنه، منها ما يكمل الآخر فيصل به إلى نقطة إنطلاق، ومنها ما يكون معاكساً فيتأخرقليلاً، مما يضطره أن يتوقف فترة ليبدأ من جديد في إعداد البوصلة والإتجاه لطريق آخر، قد يشعر بشيء من التخبط وعدم التوازن أحياناً .. والتيه أحياناً اخرى، وخاصةً إذا كان لم يجد نفسه في كل ماحققه من نجاح حتى لو كانت أعظم الإنجازات، حيث هناك دائماً حلم شفاف يقع بين الواقع الفعلي والواقع الذي نسجه بخيوط روحه في خياله كالجنين المربوط بالحبل السُري بالروح منتظر لحظة الخروج للنور، والذي غالباً ما يكون أكثر لهفاً وشغفاً لتحقيقه .

    فالأنسان يحيا بين حالات كثيرة ومشاعر مختلطة وممتزجة تُلقى على الروح ظلالها مابين الفرح والحزن، والسعادة والكآبة، والقوة والضعف، والنشاط والكسل، والنجاح والفشل … وهكذا ، ينتج عن هذه الحالات الحديث الداخلي للنفس، فيبدأ الإنسان في الدخول في حوارات ومناقشات مع نفسه، كما تبدأ تراوده الأحلام، وتهرول لتهجم عليه  ذكرياته بكل ما فيها، قد تكون هذه الذكريات من أيام الطفولة البريئة، الأوقات الجميلة مع الأصدقاء، مشاعر الحب الأولى المجروحة، حضن الأم الدافيء في ضمتها أثناء الحزن، لمة العيلة والأخوة ، فيبدأ الأحساس بالتأثر إلى حد الوجع ، فنجد الإنسان في غمرة هذا الوجع قد يتخذ قراراً بالسير في طريق بكامل وعيه واثقاً من أنه في طريقه الصحيح أو هكذا يظن، إلا أنه في كل الأحوال يُكمل الطريق لأنه قد أقر بداخله أنه الطريق الصحيح.

   ولكن ما مدى تقييم  هذا ( الطريق الصحيح )، هل هو ما نسعى فيه إلى تحقيق مانريد بحب ورضا، أم نسعى إلى تحقيق النجاح من أجل التحدى والحرب مع النفس لنثبت للآخرين إننا بهم أو بدونهم سننجح أم لنثبت لللآخرين أنه لدينا القدرة على تحقيق ما أهدافنا ؟

 وغالباً ما يكون إختيار هذا الطريق سعياً لتحقيق هذا الحلم الشفاف السري والخفي بين الجنبات ، فيحاول بكل مالديه من قوة لإخفاء هذه الحلم أمام الآخرين حتى ينجح في تحقيقه، ولكنه بينه وبين نفسه يحيا صراع داخلي وحرب شرسة بينه وبين ذاته.

    وهنا نسأل .. ماذا لو تم رفع الستار عن النفس الداخلية أثناء هذه الرحلة ؟، ماذا لورأينا أنفسنا متجسدة أمام أعيننا تتحرك هنا وهناك وتتحدث معنا ؟ ماذا لو رأينا هذا الصراع أمامنا ؟؟؟؟

 وفي الحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال أكثر تعقيداً من السؤال ذاته، حيث ما يجول بالنفس البشرية يصعب فهمه بالعقل البشري، ولكن دعنا نتخيل أنه في أثناء رحلة البحث عن الذات، تختفى الملامح الحقيقة للنفس الداخلية ، تتلاشى تحت الجلد، ترقد في ركن عميق في بوتقة الذكريات، تتنفس أنفاسها الأخيرة، ومع كل نفس تخرج ومضة تحمل بريق من هذه الذكريات، تصرخ بكل قوة معلنة انها مازالت على قيد الحياة، تستغيث مابين الومضة والأخرى .

   وفي وسط هذا الصراع والتي يتم التنازل فيه عن بعض الأحلام من أجل الآخرين نجد أن النفس تبدأ في مراحل الإحتضار، في آخر نفس لها في الحياة، والتي بعدها من الممكن أن يفقد الشخص نفسه منطلقاً إلى عكس كل مابداخله سواء مباديء ومعتقدات وأفكار، آخر نفس قبل الموت الحي ، آخر نفس في الإنهيار الداخلى الذي بدأ خفياً وبدأ يصبح صوته مدوياً ، إلى أن تحدث الصحوة.

   والصحوة هنا إما تأتي من الخارج عند اللقاء بأشخاص بيدها طوق النجاة، تنتشل النفس من الغرق، فتبدأ في بث التنفس الصناعي لها من خلال بث الأمل والإطمئنان، وشحذ الهمة والتحفيز وحب الحياة من جديد، أو أنها تأتي من داخل الإنسان نفسه بقوة إرادته وتصميمه على التغلب على كل الصعاب ومواجهتها كفارس في ميدان القتال، بيده كل الأسلحة من إيمانه بالله وبنفسه، باليقين أنه سينجح ويعبر المحنة، عزيمته على تحويل الهزيمة لإنتصارات عديدة .

      الإرادة هي كلمة السر .. أيقونة كل نجاح عظيم، فالإنسان هو الوحيد الذي يمتلك أعظم إرادة في الكون، وكما قال الفيسلسوف الألماني شوبنهاور: أن حقيقة الأنسان هي الإرادة والرغبة ، فالإرادة هي التي لها علو وحُكم على كل المشاعر والرغبات والتفكير. هي التي تسخر كل مابداخلك لتحقيق رغبتك، هي الحاكم والمتحكم في تحقيق أحلامك.

    فبإرادتك تستطيع أن تحقق حلمك الشفاف لتراه واقعاً ملموساً بين يديك، إنطلق من الآن ولا تدع السلبيات من حولك تؤثر فيك وتخمد شعلة إنتصاراتك. فياأيها الإنسان أنت أعظم خلق الله فلا تستهين بما منحه لك وتوكل على القوي المتين وسيكون النصر حليفاً لك إن شاء الله.