رزقك يسعى إليك… فلا تتعجله بمعصي.


بقلم : حنان المطوع .

رزقك يسعى إليك… فلا تتعجله بمعصي

في وقت أصبح فيه الباطل مغلفاً بثوب الحق، وتزين فيه الحرام بأشكال مقبولة، أصبح الناس يركضون خلف المال، ولو على حساب القيم والمبادئ. لم يعد كثيرون ينتظرون الرزق الحلال، بل يضيق صدرهم من تأخيره، ويتطلعون إلى الربح السريع، ولو من طريق لا يرضي الله. يتناسى البعض أن الرزق الحلال وإن تأخر، فإنه يحمل في طياته راحة لا يعرفها من استعجل الحرام. وأن المال الحرام، مهما كثر، لا يدوم، وإن دام لا ويبارك فيه، بل يكون سبباً في شقاء النفس وفساد القلب.

الرزق ليس فقط في كثرة المال، بل في بركته، وطمأنينة النفس عند إنفاقه، ونقائه من الشبهات. هناك من يعيش عمره كله وهو يطارد المكاسب السريعة، ويغفل عن أن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، وأن كل نفس لن تموت حتى تستوفي رزقها كاملًا، فكيف يستعجل الإنسان ما قد كتبه الله له؟

يروى أن تاجر أقمشة كان معروفاً في السوق باستقامته وصدقه. في يوم من الأيام، جاءه رجل ثري يريد شراء ثوب فاخر. قدم له التاجر ثوباً جميلًا من النوع الفاخر، وقال له: “هذا من أجود ما عندي، وسعره كذا”، فأعجبه الثوب لكنه طلب منه أن يخفض السعر إلى النصف، وإلا سيشتري من غيره. أصر التاجر على السعر العادل، وقال له: “هذا حق البضاعة، ولا أبيع الحلال بالخسارة من أجل إرضاء الناس”.

غضب الزبون وذهب إلى تاجر آخر اشتهر بالغش، فباعه ثوباً بنفس الشكل ولكن بجودة أقل، وبسعر أقل، وفرح الزبون بالصفقة. وبعد أيام، تمزق الثوب من أول لبسة، واكتشف الزبون أنه خدع. فعاد إلى التاجر الصادق معتذراً، وقال له: “الآن عرفت أن الرزق الحلال لا يقارن برخص الكذب”. التاجر لم يشمت، بل ابتسم وقال له: “نحن نبيع الصدق قبل القماش، ومن يصبر على الحلال، لن يخسر ابداً”.

هنا تتجلى الحكمة؛ فذلك التاجر الصادق قد يكون خسر صفقة في لحظتها، لكنه كسب احتراماً وثقة ورزقاً طويل الأمد. أما من كذب وغش، فقد كسب مالًا سريعاً، لكنه خسر سمعته وضميره، وربما رزقه لاحقاً.

وهكذا، تبقى القناعة والصدق في طلب الرزق مفتاح البركة، ويبقى الحلال طريقاً قد يبدو أطول، لكنه أأمن وأسلم، وعاقبته دايماً إلى خير. فمهما رأيت من حولك يربحون من الحرام، لا تغتر، لأن الله يمهل ولا يهمل، وما عند الله لا ينال إلا بطاعته. اصبر، واطلب الحلال، ولو قل، لأنه وحده ما يبقى، ويثمر، وينجي.