فيلم السادة الأفاضل اعلان ذكي .


فيلم السادة الأفاضل اعلان ذكي

كتب : د. محمد هاشم .

اعلان فيلم السادة الأفاضل اعلان ذكي وكأنه لسعة تيار كهربائي من سلك يحمل 220 فولت تسري في جسد المشاهد لأفاقته لمحتواه… كمة من كمات فيزياء الكوانتم صنعت بحرفية جمعت كل ابطاله في ومضة سريعة تشبه ظاهرة وقوعك في نفق كمومي “Quantum tunneling” للحاصلين على جائزة نوبل في الفيزياء هذا العام.. اعلان خداع وكأنه مصيدة نصبها المخرج العبقري “كريم الشناوي” كما تفعل العنكبوت في نصب فخ لفرائسها واعدائها سوياً.. هي تفعل شبكة من الخيوط تهتز حال وقوع فريسة فيها.. نوع هذا الأهتزاز يرسل الإشارة للعنكبوته بحجم ونوع وقوة ومدى مقاومة الفريسة للكعنكبوت الصائد والمنتظر في اركان شبكته العنكبوتية.. او نوع وحجم وصحة وقوة الذكر الذي يريد ان يتزوجها.. سواء كان يستحق التزاوج معها.. أم سيصبح فريسة وعشاء أخير لها ونهاية حياته.. اعلان خاطف ولكنه مختلف.. أما الأختلاف الأهم هو بوستر الفيلم.
ورغم ما يبدو من البوستر الذي اعتذر لعدم معرفة مصممة الا انه تصميم عبقري يبدو من النظرة الأولى انه كلاسيكي يتخذ منهجية “بوكيه الورد” فالأبطال معظمهم في البوستر على هيئة “بوكيه الورد”.
الجديد هنا تلك الإسقاطات الذكية في تكوين اليوستر والتي تناولها البوستر للتعبير عن حالة الفيلم وعالمه الغريب.. وهي حالة جديدة على المخرج “كريم السناوي” نفسه ودخوله جنرا “Genre” ونوع مختلف عن عوالمه السابقة لفئة “Category” الكوميديا السوداء الجافة مع التزامه بآليات الكوميديا ولكن بنوع من التجريب الحداثي في مضمونه وتصويره وقصتة.
البوستر على خلفية خضراء وهي اولى اسقاطات البوستر كدلالة على تفوق اللون الأخضر المرمز له دائما في العقل الجمعي المصري والعربي والعالمي على ان “الأخضر” هو رمز الدولار.. فاستخدام كلمة الأخضر كلمة موجزة دون افصاح منا يفهما جميع المصريين والعرب على انها لعملة الدولار سيد العملات وحاكمها الحقيقي.
نعود الى ابطال الفيلم المجتمعين في هيكل “بوكيه الورد” التقليدي والمعهود والممل كعامل تجاري اولا وعامل نفسي أو لوضع جميع ابطال الفيلم لأرضاء الجميع ومقاماتهم الفنية.. وهذا للاسف يغضب الكثير من نجوم السينما والدراما لدينا في وضع صورته واسمه على البوستر.. مع انه شئ ثانوي.. ولكن هي عاداتنا السيئة التي وجدنا عليها ابائنا الجدد من النجوم والمنتجين والموزعين والقائمين على صناعة السينما.

ورغم ان البوستر ضم جميع النجوم وارضاهم في تقليديته ونمطيته الا ان تميزه في الدلالات السيميولوجية للصورة والبوستر وما يحتوية.
فالأبطال مجتمعين على خلفية خضراء اللون من الخارج.. ولكن الخلفية الأصلية تحمل هيئة “تسريحة” في غرفة نوم أو مرآة باطارات تحمل ابعاداً اسلامية في زخرفتها.. وابعادا مادية في لونها الذهبي.. ثن ابعادا ارستقراطية كأنها قطعة من أثاث “مذهب” وهو طراز قديم في القرون الماضية سواء كان في اوروبا كبدايته.. او في الشرق الأوسط بعد انتشاره في البلدان العربية وخاصة في مصر.. طقم الأنرية او طقم الأثاث المذهب.. التي تتباهي به العائلات الأروستقراطية أو حتى تلك العائلات التي تحلم للقفز الى طبقة اعلى من الطبقة المتوسطة والدنيا.
ولنعود الى البوستر من الأسفل حيث التأكيد على مصريته القديمة كاجدانا القدماء مما نسميهم بالفراعنة.. حيث اول الإسقاطات التي انتهجها البوستر للاشارة الى قصة الفيلم.. فوجود صقر أسفل منتصف البوستر هو تعبيرا عن مصرية احدى العائلتين التي يدور عنهما الفيلم وحكايته.
” يُصوَّر صقر الملك “أمون ام اوبيت” ملك الجنوب وابن الرب وإله كأبيه.. كعادتنا في صناعة الألهه.. فالحاكم اله.. وابنه بالتبعية اله.. الصقر يبسط جناحيه ممسكًا بعلامة “شن” التي ثُبّت عليها لوحتان تحملان خراطيش الملك.. والخرطوش لا يكون الا للملوك في الكتابة الهيلوعريفية.. اما رعاع الشعب فيكتبون خارج خراطيش… الرأس الذهبي الخالص مُوجَّه إلى اليسار كاسقاط على عين الرب التي ترانا وتراقبنا كأخ كبير ولكنه إله يراقبنا ويراقب الأعداء في ذات الآن سواء أتو من اليمين.. أو كانوا من اهل الشر والشمال.
أما أجزاء الصقر الأخرى كالمنقار والعينين ومؤخرة العنق والزخارف على الخدين فمغطاة بعجينة زجاجية داكنة.
أجنحة الصقر مفرودة كاسقاط على سلطة الحاكم الأله على مملكته ودولته .. وجسم وذيل الصقر المصنوعة من المينا باستخدام خيوط ذهبية مُطبَّقة وخرزات صغيرة مع ريش الجناح منتشر للخارج ومرتَّب في صفَّين تأكيداً على السطوة والنفوذ للحاكم الإله في كينونته وقوته.
أما مخالبه فتحمل اساور ذهبة خالصة.. رسم داخلها خراطيش ملكية دلالة انها اساور ملك.. هي ذات الأساور التي سرقت مؤخرا من المتحف المصري في مهزلة من مهازل سرقة اثارنا المصرية من القائمين عليها او المأتمنين عليها وهم اكثر المفرطين فيها سواء بالأهمال او بالجهل او بالأنتفاع والمصلحة.. اما ابطال الفيلم فوق النسر فهما الأكثر غرابة وربما سيكونوا مجرد محتالين في الحكاية مثل الفنانين “على صبحي وطه الدسوقي و ميشيل ميلاد بشاي”.. لوضعهم في الأسفل لم يأتي اعتباطا وربما هم اكثر الشخصيات مفارقة وخداع ونصب.
منتصف البوستر وعلى يمينه ويساره تحتل بطلتان من بطلات الفيلم اماكنهن “ناهد السباعي و هنادي مهنا” ومن خلفهما الشمس وهي رمزية اخرى على اله الشمس “رع ” عند قدماء المصرين الذي يشاركها فيه “حورس” الإله الحارس لمصر كلها.. وأمون رع اله الخصوبة عند الجنوب.. والأله “أتون” الذي جاء إخناتون ليجعله اله واحد لا شريك له موحداً الأديان والهتها في اله واحد كأول من وحد الأديان في مصر… وهو اسقاك آخر لمكانة المرأة في مصر كأول حاكمة واول قائدة لبلد في التاريخ والتي لا زالت تفعل هذا في الصعيد عكس كما نظن.. أو هي الحاكم الفعلي للبيت حتى لو استترت خلف ذكورتنا البادية كظاهرة صوتية.
أعلى البوستر يستقر الأبطال الأكثر تفاعلا في الحكاية “محمد شاهين ومحمد ممدوح” وكلاهما يتملك تعبيرات للوجه تثبت مفارقة “كريم الشناوي” في تجربته الكوميديا الأولى والتي اثق في اختلافها لثقتي في هذا المخرج الشاب المختلف والمتميز حد العبقرية.. تعبيرات وجه محمد شاهين ومحمد ممدوح غاية في التعبيرية عن كوميديا الموقف وضبابيتها ومفارقاتها.. وكلاهما في هذه المنطقة سيدان لا ينافسان عن استحقاق.
بيومي فؤاد يتخذ شكلا مختلفاً يشبه ما خلفه من دمية على هيئة الدمى التي توجد في فيلم “شركة المرعبين المحدودة” وشخصية ” سوليفان .. سولي” ذو الوجه المرعب والهيكل الضخم ولكنه طيب القلب مع الطفلة الصغيرة التي قدم لها الدوبلاج العربي الفنان الكبير “ماجد الكدواني” أو شخصية سيجموند من المسلسل التلفزيوني للأطفال سيجموند ووحوش البحر الذي عرض في سبعينيات القرن العشرين… تلك الشخصية المطرودة من عائلتها لأنها مخيفة.. في حين انها لا تحمل من الخوف اي دلالة او ما يخيف قطة او عصفور.. “ريش على مفيش”.
على سار الأفيش من الأعلى “أشرف عبد الباقي” في شخصية فلاح مصري حفيد لمومياء “رمسيس الثاني” فرعون مصر الذي نسب اليه كلمه فرعون وهو فرعون موسى والملك حينها واحد من اوائل مؤسسي الديكتاتورية في تاريخنا القديم.
على ريمين البوستر من الأعلى تستقر الفنانة “انتصار” كمصرية خالصة وكليوباترا حقيقة نقيض لفرعنة “فرعون” على يسارها “اشرف عبد الباقي”.
تتناثر في معظم البوستر عملة الدولار فئة الـ100 دولار والتي لها رمزية حيث ان فئة المئة دولار تحمل صورة للمخترع والأب المؤسس للولايات المتحدة بنجامين فرانكلين بقوته وحكمته وتأسيسه لهذا الكيان الضخم “أمريكا” التي تحولت لسرطان يهدد العالم كله.
الدولارات تأخذ شكلاً كذيل الطاوس خلف معظم ابطال الفيلم سواء كانوا اعلى البوستر او اسفله.. كرمزية للعظمة والغرور وسلطة الدولار على العالم والأقتصاد والدول… يؤكدها وجود مسدسات ذهبية في وضعية تحفز واطلاق نار في ذات الهيئة الطاوسية.. ففوة الأقتصاد لابد ان تحميها قوة السلاح.. أما الحالمون بالسلام الدافئ بلا قوة أو اقتصاد.. فمصيرهم الذل والتبعية.