🌸 ما بين العطاء والحرمان… يكتب نصيب الإنسان 🌸
بقلم الكاتبه : حنان المطوع .
🌸 ما بين العطاء والحرمان… يكتب نصيب الإنسان 🌸

في هذه الحياة التي تتقاطع فيها الأمنيات وتتشابك فيها الطرق، نمضي جميعا نحمل أحلامنا على أكتافنا، نبحث عن نصيب نراه كاملا، وعن سعادة نعتقد أنها تكمن فيما فقد منا. غير أننا لا نلتفت إلى ما نملكه بالفعل، إلى تلك الخيوط الخفية التي نسجها القدر حولنا بحكمة إلهية لا تخطئ. فكل إنسان في هذه الدنيا يحمل قدره الذي اختاره الله له، لا زيادة فيه ولا نقصان، لكننا كثيرا ما نغفل أن العدالة الإلهية ليست في المساواة المطلقة، بل في التنوع الذي يجعل للحياة طعما مختلفا لكل واحد منا. فمنا من أعطي قلبا رحيما يفيض حبا وحنانا، ومنا من رزق عقلا حكيما يرى الأمور بنور البصيرة، وآخر رزقه الله راحة بال لا تشترى بمال، وكلها نعم تتناثر في حياتنا، لكننا لا ندرك قيمتها إلا حين نفقدها أو نرى غيرنا محروما منها.
إن تأملت الناس من حولك، وجدت أن كل واحد منهم يعيش قصة مختلفة، كأن الله كتب لكل إنسان روايته الخاصة، فيها لحظات ابتلاء ولحظات عطاء. فهذا اكرم بقلب أب رحيم يحتضنه في ضعف الأيام، وذاك رزق ابنا بارا يكون له ظلا في حر الحياة، وآخر فتحت له أبواب المال فصار سببا في رزق غيره، وذاك وهب نعمة الصحة والعافية يسير بخطاه واثقا مطمئنا. لكن الغريب أننا نميل دائما إلى المقارنة، نرفع أبصارنا نحو ما في أيدي الآخرين وننسى ما بين أيدينا، وكأننا نتعامى عن عدل الله الذي وزع الخير بيننا بميزان لا يختل.
فكم من غني يملك القصور، لكنه لا ينام من هم يأكل قلبه، وكم من فقير يبتسم في بساطته لأنه يملك قلبا مطمئنا وبيتا مليئا بالمحبة. هناك من يمتلك المال ولا يجد الرفقة، ومن يعيش في ضيق لكنه محاط بوجوه تحبه، وهناك من حرم السمع أو البصر لكن الله عوضه بصفاء القلب وسكينة الروح. إن النعمة لا تقاس بما نراه، بل بما نشعر به، فكم من شخص ظن نفسه ناقصا، فإذا به في عين غيره مكتمل النعم. الحياة لم تخلق لتكون عدلا في الشكل، بل عدلا في المعنى، فالله يعطي ويمنع لحكمة، وكل عطاء هو ابتلاء، وكل حرمان هو درس، ومن فهم هذه الحقيقة عاش راضيا، ومن جهلها عاش ساخطا لا يرى إلا النقص.
في نهاية المطاف، سنكتشف أن السعادة لا تقاس بما نملك، بل بمدى رضا قلوبنا. ليست الحياة سباقا في جمع الخيرات، بل رحلة لاكتشاف النعم التي وهبت لنا منذ البداية. من رضي عاش غنيا وإن لم يملك شيئا، ومن جحد عاش فقيرا وإن ملك الدنيا بأسرها. فالقناعة كنز لا يفنى، والرضا بقدر الله يورث راحة لا توازيها كنوز الأرض. تأمل حياتك قليلا، ستجد فيها بركات خفية لا يراها إلا من أغمض عينيه عن المقارنة وفتح قلبه للشكر.
فلنؤمن أن الله لم يجمع الخيرات كلها في يد أحد، كي نبقى بحاجة لبعضنا، ولكي نحس بطعم السعي والدعاء والأمل. فرب عطية ظننتها نقمة فإذا بها باب رحمة، ورب حرمان ظننته قسوة فإذا به لطف خفي يهيئك لأجمل مما تتمنى. وفي نهاية كل طريق، لا يبقى في القلب إلا اليقين بأن ما اختاره الله لنا هو الخير، وأن الرضا به هو أول خطوة نحو السعادة الحقيقية.
