كتب : محمود هاشم

في هذه الأيام المباركة التي تهفو فيها قلوب المسلمين إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام نتذكر طرق الحج المصرية القديمة حيث يعد درب الحج المصري بسيناء يعد اشهر دروب الحج بمنطقة الشرق الأوسط كلها لأنه نقطة الوصل بين غرب العالم الإسلامي وشرقه وكان الحجاج يأتون إلى مصر من المغرب العربي والأندلس لينضموا إلى إخوانهم المصريين ثم تبدأ القافلة سيرها من بركة الحاج بالقاهرة إلى ارض الحجاز عبر صحراء سيناء تتقدمها كسوة الكعبة المهداة من مصر إلى الكعبة المشرفة .. وقد ظل درب الحج المصري هو الطريق الرسمي للحجاج بدول شمال إفريقيا منذ العصور الإسلامية الأولى ولعب دورا مهما في التبادل الحضاري بين شعوب المنطقة وازدهرت على جانبيه عناصر التخطيط التي وجدت على درب الحج السوري ودرب الحج العراقي (درب الحج الشامي) وبعدها شيدت في عصر صلاح الدين الأيوبي عندما أمن للحجاج طريق القاهرة دمشق مرورا ببيت المقدس وأقام عليه السدود لتخزين المياه وتوفيرها للحجاج.

وقد حرص ملوك وسلاطين مصر على الاهتمام بإعمار درب الحج المصري بسيناء بين قلعة عجرود وقلعة نخل حتى قلعة العقبة من الاهتمام والرعاية .. ويعتبر السلطان المملوكي قنصوه الغوري أول سلاطين مصر الذين رسموا طريق للحجاج المصريين بوسط سيناء حيث قام بقطع جبل عراقيب وجبل العقبة لتمهيد طريق مستقيم بين القاهرة والأراضي الحجازية لتقليل عناء السفر للحجاج أو وضع لوحة إرشادية له مازالت قائمة حتى الآن عليها ختمه الخاص وقد قسم عدد كبير من الرحالة درب الحج المصري إلى خمسة عشر مرحلة كان الحجاج يمرون بها من بركة الحاج إلى السويس ومن نخل إلى إيله وهي نفس المناطق التي يمر بها الحجاج الآن الذين يستخدمون الطريق البري.

حول طريق الحج القديم .. أكد مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بسيناء خبير الآثار الدكتور ” عبد الرحيم ريحان ” إلى أن الجزء الخاص بطريق الحج القديم بسيناء ينقسم الى (3) مراحل .. الأولى تبدأ من منطقة بركة الحاج شرق القاهرة وحتى عجرود وطولها 150كم والثانية من عجرود إلى مدينة نخل بوسط سيناء وطولها 150كم والثالثة من نخل إلى عقبة أيلة وطولها 200كم وكانت قوافل الحجيج تقطع كل مرحلة من هذه المراحل الثلاث في نحو ثلاثة أيام.

كان الحجاج من أهل مصر والمغرب والسودان يتجمعون في منطقة البركة لازدياد النشاط التجاري بها في مواسم الحج، ومن أهم تلك الأنشطة سوق الجمال الكبير، الذي كان يستخدمه الحجاج للمبيت أثناء رحلتهم، ومنه يتحركون إلى صحراء السويس، مارّين بقلعة عجرود للاستراحة، المسجلة كأثر إسلامي، وتعتبر أول محطة من محطات درب الحج، ثم يدخل الحجاج سيناء من شمال مدينة السويس، في سهل رملي حتى وادي الحاج، ثم سهل التيه ثم إلى قلعة نخل وسط سيناء والتي بناها السلطان الغورى ١٥١٦م، لاستراحة الحجاج، ومنها يسير الحجاج نحو الشرق إلى وادي العريش ودبة البغلة، ومنها إلى صحراء النقب، حتى يصلوا إلى مكة المكرمة.

المحمل السلطاني
وقت خروج الحجاج من مصر إلى السويس كان دومًا وقتًا حافلًا، حيث يخرج ركب الحجاج من مصر بالمحمل السلطاني وكان خروج محمل كسوة الكعبة يصاحبه احتفالات عديدة، كتزيين المحلات التجارية والرقص بالخيول، بحضور والى المنطقة التى يخرج منها المحمل ، و الكسوة في البداية كانت تصنع في القاهرة بدار الكسوة بـ ” الخرنفش “، ثم يحمل على جمل ويطوف شوارع الفسطاط، ثم يعود إلى القاهرة ويبدأ رحلته إلى الأراضي المقدسة، والتى كانت تستغرق وقتًا طويلًا قبل أن يدخل القطار والبواخر إلى مصر، بعد دخول القطار، أصبحت الكسوة تنقل مع المؤن والمساعدات التي كانت ترسلها مصر إلى التكية في السعودية على متن القطار ثم تنقل إلى الباخرة، وعند وصولها المملكة تُنقل على ظهور الإبل، عبر المدقات الصحراوية بين الجبال، لعدم وجود طرق ممهدة .
مشاق رحلة الحاج
كان الاستعداد للحج قديما على ظهور الجمال يبدأ بعد انتهاء عيد الفطر المبارك حيث يجهز الراغبون في الحج قافلة تشمل الجمال والإبل ومأكلهم ومشربهم وحتى أكفانهم وكانت الرحلة تستغرق أربعة شهور والطريق كان وعر ومحفوف بالمخاطر وقطاع الطرق، كما تذكر مصادر التاريخ الإسلامي ، فقد كان السفر الى مكة لأداء الفريضة “قطعة من العذاب” يمنع المسافر طعامه وشرابه ونومه، كما وصفه بذلك رسول الله صل الله عليه وسلم، من كثرة ما كانت تكتسي رحلة الحج من صعوبات سواء كانت بالسفن والبواخر والإبل أو السير على الأقدام ، فالرحلة كانت طويلة والسفر شاقا والطريق غير مألوف وكان أهل الحجاج يودعونهم وهم غير واثقين تماماً من عودتهم المخاطر التي كانوا يتعرضون لها خاصة في عهود بداية الفتن في الدولة الاسلامية واختلال الامن بسبب الحروب وتعديات القبائل على الطرق وأعمال النهب والسلب والقتل وقطع الطرق منذ نهاية القرن الثالث الهجري الأمر الذي ادى الى انقطاع الحج لسنوات متصلة ، وعلى طرق الحج أقيمت منشآت كثيرة مثل المحطات والمنازل والمرافق الاساسية من برك وآبار وعيون وسدود وخانات( فنادق) ومساجد وأسواق كما اقيمت علي هذه الطرق الأعلام لإرشاد الحجاج إلى الطرق الواجب اتباعها.

وكان من يقود الحملة يحسب شهر للذهاب وشهر آخر للإياب وشهر يتم قضاؤه في الأقطار الحجازية المقدسة ويأخذ الحجاج معهم المئونة والماء بكميات بسيطة وخلال رحلة الذهاب وأثناء مرورهم على مدن في بلاد نجد يتزودون بالمياه من الآبار في طريقهم ، بينما النساء كن يركبن الهودج وهو عبارة عن مقصورة صغيرة يتم وضعها على ظهر الذلول والظعينة أو المطية وتسمى أيضا الكواجة وتوضع فوق السرج وتكون مغطاة بغطاء مزركش مع وجود شال صوفي أحمر لامع وتستطيع المرأة أن تجلس مع طفلها داخلها بأمان ـ ويتقدم حملة الحج شخص كانوا يسمونه (دليلة) وهو الذي يدل الحملة ويقودها إلى أماكن التزود بالمياه والزاد كما يحدد المسافات من مدينة إلى أخرى ويعين للحملة أوقات الراحة واستكمال المسير وكان الحجاج من الكويت يزورون المدينة المنورة أولا ومع اقتراب موسم الحج يذهبون إلى مكة بينما الحجاج من باقي الأقطار العربية يزورون مكة أولا وبعد ذلك يذهبون إلى المدينة المنورة .
أما المسعى بين الصفا والمروى، فكان عبارة عن سوق وليس كما هو الآن وكان الحجاج في سعيهم ذهابا وإيابا يشترون من المحال على جانبي المسعى، توافر ماء زمزم فقط في زقاق البخارية، وكان عبارة عن شارع ضيق بجوار الحرم فيه روس مسلمون يصنعون من مادة تشبه القصدير حافظة للمياه يسمونها زمزمية ويملئونها بماء زمزم ويشتريها الحجاج منهم ، ورغم ما كان يتعرض له الحجاج من مصاعب، فإنهم طالما واصلوا على السفر إلى الحج، ولم ينقطعوا عنه تلبية لنداء الله تعالى في محكم كتابه بقوله تعالي: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق | ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير | ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق | ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه..)

وفي عصرنا الحديث حتى يسر الله الرحمن الرحيم على خلقه السفر بالوسائل الحديثة من الطائرات، والعبارات البحرية والحافلات والسيارات على أنواعها المختلفة، فتمكن كبار السن والعجزة من أداء المناسك. فما يقدمه القائمون على الحج من رعاية للحجاج وتنظيم منقطع للنظير شمل المأكل و المشرب و الامن و الأمان و توفير كافة المرافق التي يحتاجها الحاج في رحلته و تهيئة الحرم المكي من حيث المكيفات و السجاد و المرافق الصحية و العيادات الطبية وخدمة ضيوف الرحمن حتى اصبح الحج فريضه سهله و ممتعه من الممكن ان تفضى بأربعة أيام .
