هل ما زلت أنت بعد النجاح؟
بقلم : حنان المطوع .
هل ما زلت أنت بعد النجاح؟

النجاح يغير نظرة المجتمع والأقارب والأهل إليك، لكن هذا التغير لا يكون دايماً كما تتوقع أو كما تتمناه. بعض الناس يرون فيك قدوة، يشعرون بالفخر لأنهم يعرفونك، ويجدون فيك صورة جميلة للطموح والإصرار. آخرون قد يرون نجاحك تهديداً، لأنه يذكرهم بما لم ينجزوه أو بما تمنوا أن يكونوا عليه. فيحاولون التقليل من إنجازك، أو يشككون في دوافعك، أو يتهمونك بالغرور حتى لو لم تتغير.
هناك من يراقب بصمت، لا يظهر أي مشاعر واضحة، لكنه يتأثر بك وربما يتعلم منك دون أن يقول ذلك. أما الأهل، فغالباً ما تكون مشاعرهم مزيجاً من الفخر والقلق. فخر لأنك وصلت، وقلق من أن تتغير أو تبتعد عن جذورك. احياناً، خاصة في البيئات التقليدية، يواجه الأهل صعوبة في فهم بعض أنواع النجاح الجديدة، مما يولد نوعاً من التوتر أو عدم التقدير الكامل لما فعلته.
أما الأولاد، فنعم، غالباً ما يفرحون بنجاحك، لكن طريقة تفاعلهم معه تعتمد على أعمارهم ومدى قربك منهم. الطفل الصغير يرى فيك بطله، ويحب فكرة أنك ناجح وقوي. المراهق قد يشعر بالفخر، لكنه قد يخاف من المقارنة، أو يشعر بأنه يجب أن يكون مثلك وهذا يضغطه داخلياً. الأكبر سناً قد يتأثر بنجاحك ايجابياً إذا شعر أنه مدعوم ومحبوب كما هو، لا كمشروع يجب أن يعيد نجاح والده أو والدته.
نجاحك يؤثر في أولادك بلا شك، لكن نوع هذا التأثير يتحدد من خلال طريقتك في التعامل معه. إذا كنت تشاركهم رحلتك وتكلمهم عن الصعوبات والجهد، ولا تجعل النجاح وسيلة للضغط عليهم أو لمقارنتهم بك، فإنهم سيتأثرون بك بشكل صحي. سيشعرون أن النجاح ممكن، وأنهم لا يحتاجون لأن يكونوا نسخة منك، بل يمكنهم أن ينجحوا بطريقتهم الخاصة.
النجاح الحقيقي لا يقتصر على ما تحققه في الخارج، بل على أثره في داخلك وفيمن حولك. إذا كنت قادراً على النجاح دون أن تفقد قربك من أولادك، دون أن تتعالى على أهلك، ودون أن تجعل الآخرين يشعرون بأنهم أقل، فإن نجاحك سيكون ممتداً ومثمراً. النجاح ليس ما تصله فقط، بل كيف تحمله، وكيف توزعه دون أن تثقل به احداً.
يبقى النجاح رحلةً لا محطة، واختباراً للروح قبل أن يكون اختباراً للقدرة. فليس العبرة أن تصل إلى القمة، بل أن تبقى إنساناً حين تصل. أن تظل قريباً من نفسك ومن من أحبوك قبل أن يصفقوا لك، وأن تجعل من نجاحك ضوءاً يبدد ظلمة الإحباط لا ناراً تحرق من حولك. النجاح الحقيقي هو ذاك الذي يجعلك أكثر تواضعاً، أكثر عطـاءً، وأكثر امتناناً لكل من كان سبباً في طريقك. حينها فقط، يكون النجاح إضافةً للحياة، لا استبدالاً لها.
