بين الذكاء العاطفي والذكاء الاجتماعي.


بين الذكاء العاطفي والذكاء الاجتماعي.

بقلم :د.غدير مبارك الصالح.

في زمنٍ تتشابك فيه الأصوات والوجوه والمشاعر على مسرحٍ واحدٍ اسمه “الحياة”، لم يعد الذكاء مجرّد قدرةٍ على الحفظ والتحليل، بل أصبح فنًّا للّمس والعبور برفق إلى قلوب الآخرين. وهنا يظهر الفارق العميق بين الذكاء العاطفي والذكاء الاجتماعي — بين من يُحسن فهم ذاته، ومن يُحسن فهم العالم من حوله.

الذكاء العاطفي: معرفة الذات وإدارتها

الذكاء العاطفي هو القدرة على إدراك مشاعرك الخاصة وفهمها والتحكّم فيها بطريقةٍ متزنة.
هو أن تعرف متى تتحدث ومتى تصمت، متى تبكي دون خجل، ومتى تبتسم رغم الألم.
هو تلك المهارة التي تجعلك لا تنفجر في لحظة الغضب، ولا تنهار في لحظة الخذلان.
إنه الصديق الداخلي الذي يذكّرك أن الكلمة قد تُشفى كما قد تَجرح، وأن القلب الناضج لا يُسلم نفسه لعاصفةٍ لا يعرف وجهتها.

الذكاء الاجتماعي: فنّ الحضور والتأثير

أما الذكاء الاجتماعي فهو القدرة على التواصل بفعالية مع الآخرين، قراءة المواقف، وفهم الإشارات الخفية خلف الكلمات والنظرات.
إنه أن تُحسن اختيار ردّك، ونبرة صوتك، وحدودك.
أن تكون في المجلس فتمنح طاقة راحة، لا توتّر.
أن تُلهم الناس دون أن تتباهى، وأن تُعبّر عن رأيك دون أن تفرضه.
إنه لغة الوعي الجمعي التي تُمارسها العقول الراقية في صمتٍ أنيق.

التكامل بينهما: نُضج الإنسان الحقيقي

لا يكتمل أحدهما دون الآخر؛ فالذكاء العاطفي يمنحك سلامك الداخلي، والذكاء الاجتماعي يمنحك جسور التواصل مع العالم.
الذكي عاطفيًا يعرف من هو، والذكي اجتماعيًا يعرف كيف يعيش بين الآخرين.
الأول يُنقذك من نفسك، والثاني يُنقذك من الناس.
وحين يلتقيان في شخصٍ واحد، يولد القائد، المربّي، الشريك، والإنسان الذي يترك في الآخرين أثرًا لا يُمحى.

ومضة ختامية

في النهاية،

ليست العبقرية أن تملك عقلًا لامعًا، بل أن تملك قلبًا حكيمًا.
أن تفهم نفسك قبل أن تُحاكم الآخرين، وأن تزرع التفاهم في مكانٍ كان يُنبت سوء الظن.
فالذكاء الحقيقي لا يُقاس بدرجاتٍ أكاديمية، بل بقدرتك على أن تكون إنسانًا في عالمٍ يزداد قسوةً كلّ يوم…

«الذكاء العاطفي والاجتماعي ليسا مهارةً فطرية، بل سلوكٌ مكتسبٌ يقوم على الوعي الذاتي، والتنظيم الذاتي، والتعاطف، ومهارة التواصل»

حين يجتمع العقل والقلب في إنسانٍ واحد، يصبح الحضور رسالة، والكلمة دواء. 💫

د/ غدير مبارك الصالح